رمضان كريم.. اليوم هو أول أيام الشهر الفضيل، ذلك الشهر الذي ينتظره الناس كل عام، فتتبدل معه حياتهم، وتختلف مظاهرها أيضاً. منذ سنوات بعيدة، ونحن نصوم رمضان بفضل الله، عاماً وراء عام تأتي أيام رمضان بذكريات جميلة محببة على قلوبنا منذ كنا أطفالاً، لا أنسى تلك الصيحات التي كنا نطلقها فرحاً، عندما يتم إعلان أن رمضان يبدأ غداً، ولا أنسى الإحباط أيضاً، عندما كانوا يقولون لنا إن رمضان بعد غد..! وكأننا ننتظر لقاء عزيز علينا طال انتظاره وغيابه. رمضان هذا العام مثل سابقه وقادمه أيضاً، يأتي وسط إجازات الصيف، قرر بعض الناس السفر قبله، والبعض الآخر أجل إجازته إلى ما بعد رمضان، وسيظل رمضان معنا في إجازات الصيف لسنوات مقبلة عدة، فهو يتحرك 11 يوماً كل عام، حتى يصل إلى فصول الشتاء، ثم العودة مرة أخرى إلى الصيف. ويستغرق شهر رمضان نحو 30 سنة للعودة مرة أخرى إلى الفترة الزمنية نفسها من الفصول الأربعة، بمعنى أنه لن يعود مثلاً إلى الفترة نفسها من شهر يوليو الجاري إلا بعد 30 سنة..! وعادة لا يفضل الناس السفر في رمضان، فهو شهر صيام وعبادة، ويفضلون البقاء في منازلهم، وهي عادة من العادات التي توارثناها منذ سنوات بعيدة، عندما كان في السفر مشقة، ولكنها ربما تحتاج منا الآن إلى تغيير. لم يعد في السفر مشقة مثلما كانت في العصور الأولى من الإسلام، وربما يجعلنا هذا نستطيع أن نرى من الدنيا غير ما نراه واعتدنا عليه في سفراتنا، مثلاً السفر إلى الأماكن السياحية الإسلامية، وقضاء رمضان في أجواء مختلفة، ربما تكون تجربة تستحق الإقدام عليها. أذكر أنه في إحدى المرات، وصلت إلى مدينة كارديف التابعة لمقاطعة ويلز البريطانية ليلة أول أيام رمضان، كانت الزيارة الأولى للمدينة، وكنت أفكر كيف سأفطر اليوم الأول، وكيف سأصوم، وكيف سأعرف مواقيت الصيام والإفطار. من محطة القطارات ركبت سيارة أجرة لأذهب إلى الفندق، بالمصادفة كان سائق السيارة باكستانياً، وعندما عرف أنني عربي قدم لي ورقة عليها مواقيت الصلاة والصيام في رمضان بمدينتهم، وقال لي إن كل المسلمين في المدينة من العرب وغير العرب سيقيمون إفطاراً جماعياً في حديقة مسجد المدينة، ودعاني للإفطار معهم، شكرته على ورقة المواقيت والدعوة. وفي أول أيام رمضان تعرفت صباحاً في الفندق على مجموعة من طلاب الدراسات العليا العرب، واتفقنا على أن نفطر جميعاً معاً، وتوجهنا إلى المسجد في المساء، لأجد عدداً كبيراً من المسلمين مع عائلاتهم يتجمعون هناك، بما فيهم سائق التاكسي، وصلينا التراويح، ثم قبلت دعوة العديد من العرب هناك للسحور في حديقة المسجد مع العائلات العربية. كانت الأجواء من أجمل ما رأيت في رمضان، أتذكر كيف كان القلق يملؤني، وأنا في القطار ذاهب إلى مدينة لا أعرف أحداً فيها، فإذا بي أقضي عدة أيام من رمضان وسط أكبر حشد من الصائمين والمحتفلين بقدوم رمضان.. كانت تجربة جميلة.. وكان رمضان بالفعل كريماً.. حياكم الله.. وكل عام وأنتم بخير. رئيس تحرير مجلة أسفار السياحية a_thahli@hotmail.com